كانت الجامعة حريصة منذ تأسيسها على ان تكون العربية لغة التدريس فيها وان تعد هيئة التدريس الخاصة بها اعدادا علميا سليما حتى يكفونها مئونة الاعتماد على الاساتذة الاجانب وحتى يلعبوا دورا – بعد عودتهم – فى تعريف المعارف الحديثة لذلك بادرت بايفاد بعثة خاصة من الطلاب المصريين اختارتهم اللجنة الفنية بطريق الاختبار على ان يلتزموا بالعمل فى خدمة الجامعة بعد حصولهم على الدرجات العلمية اللازمة وعودتهم الى مصر
وكانت البعثة الاولى تضم محمد حسن ومحمد صادق جوهر لدراسة العلوم الرياضية بجامعة كمبريدج وتوفيق سيدهم لدراسة الطبيعة بلندن وسيد كامل لدراسة التاريخ واللغة بالسوربون ومحمد توفيق الساوى لدراسة الادب بالسوربون ومحمود عزمى لدراسة العلوم السياسية والقانونية بالسوربون ومحمود فهمى لدراسة الفلسفة بنفس الجامعة وحسن فؤاد الديوانى لدراسة علم وظائف الاعضاء بجامعة ليون بفرنسا ومحمد ولى الدين لدراسة التاريخ الطبيعى وقانون علم الصحة بنفس الجامعة ومحمد كمال لدراسة الطب الشرعى والكيمياء بجامعة ليون ايضا وقد اختير هؤلاء من بين طلبة المدارس العليا الثلاثة المهندسخانة والحقوق والطب
وتبرع بعض الاعيان والذوات بتحمل نفقات دراسة عدد من اولئك الطلاب وعينت الجامعة مشرفا من الاساتذة الانجليز لمتابعة دراسة اعضاء بعثة لندن واخر من الاساتذة الفرنسيين لمتابعة اعضاء بعثة فرنسا وطلب بعض الاعيان ممن اوفدوا اولادهم على نفقتهم للدراسة بهذين
البلدين ضم ابنائها الى بعثة الجامعة للاستفادة باشرافها مع استمرارهم فى تحمل نفقات الدراسة بالنسبة لابنائهم وعندما مرت الجامعة بازمتها المالية قبل المشرفون الاجانب ان يؤدوا اعمالهم تطوعا وكان المشرف يوالى الجامعة بتقارير عن التقدم الدراسى للطلاب كما كان على الطلاب ان يكتبوا تقارير للجامعة عن احوالهم بصورة دورية والا وقعوا تحت طائلة العقاب فيتم خصم نسبة من رواتبهم كما حرم عليهم الزواج اثناء الدراسة بالبعثة
وكان على عضو البعثة ان يحصل على موافقة مجلس الجامعة على موضوع رسالته قبل التقدم بها الى الجامعة الاجنبية التى يدرس بها وعندما يفرغ من كتابة رسالته لا يقدمها لجامعته الااذا رأت الجامعة المصرية صلاحيتها لذلك وقد اتخذ هذا القرار بعد ما اثير من لغط حول رسالة منصور فهمى عن (( المرأة المسلمة )) التى رأى البعض انها تتضمن ما يمس الدين الاسلامى وكان على عضو البعثة ان يتولى التدريس بالجامعة لمدة عشر سنوات فان لم يقل ذلك كان عليه ان يسدد للجامعة ما انفقته على تعليمه
وعندما قامت الحرب العالمية الاولى سحبت الجامعة مبعوثيها من اوروبا حتى تتحسن ظروفها المادية وتتمكن من اعادتهم للدراسة بجامعاتهم وقد استطاعت ان تعيدهم بفضل بعض المساهمات المالية التى حصلت عليها
واتجهت الجامعة اتجاها غريبا فقد استطاع الامير احمد فؤاد ( رئيس الجامعة ) ان يحصل من الحكومة الايطالية على اربع منح لتعليم صبية من المصريين فى المدارس الايطالية حتى يصلوا الى اعلى الدرجات
العلمية ويعودوا لخدمة الجامعة وفعل نفس الشىء مع الحكومة الفرنسية فحصل على ثلاثة منح لتعليم ثلاثة من الاطفال المصريين وعلى مثلها من النمسا وبذلك تم ايفاد عشرة اطفال فى ثلاثة بعثات لحساب الجامعة المصرية اربعة الى ايطاليا وثلاثة الى كل من فرنسا والنمسا وكان ذلك عام 1910
ولكن التجربة فشلت بسبب الصعوبات التى واجهت هؤلاء الصبية بالخارج وعدم قدرتهم على متابعة الدراسة والمتاعب التى اثارها ذووهم للجامعة بسبب عدم اطمئنانهم الى اسلوب تربية ابنائهم فى الخارج
وبفضل اتصالات وعلاقات الامير احمد فؤاد بملك ايطاليا وبعض ساسة اوروبا حصلت مكتبة الجامعة على العديد من الكتب كهدية من ايطاليا وفرنسا وبريطانيا وكانت ايطاليا اكثر سخاء فى عطائها لمكتبة الجامعة تليها فرنسا وبذلك حصلت مكتبة الجامعة على المراجع الاساسية والخرائط ونسخ من الاعمال الفنية العامة والنوت الموسيقية والدوريات دون ان تتحمل ميزانية الجامعة عندما طلب اليها الامير احمد فؤاد ذ لك وحذت بلجيكا حذوها وجاءت ادوات واجهزة معمل الطبيعة والكيمياء هدية من الملك عمانويل الثالث ملك ايطاليا
وتنافس بعض المثقفين المصريين وعائلاتهم فى تقديم هبات الكتب للجامعة مثل محمد وسيم بك ا لقاضى بمحكمة مصر المختلطة وحمزة بك فهمى ومحمد لطفى جمعه وعائلة سفيق بك منصور وعائلة يحى باشا منصور يكن وعائلة ابراهيم بك مصطفى الذى كان ناظرا لدار العلوم وعبد الغنى بك شاكر فقد قدمت تلك العائلات المكتبات الخاصة لرجالهم الراحلين الى الجامعة وبفضل هذه الهبات التى قدمتها الدول الاجنبية والافراد والعائلات المصرية كانت نواة مكتبة الجامعة
ورغم الازمة المالية التى عاشتها الجامعة خلال الحرب العالمية الاولى والموقف السلبى الذى قضته الحكومة منها وتخلى الامير احمد فؤاد عن رئاستها عام 1913 فقد استمرت تؤدى رسالتها تحت رئاسة حسين رشدى باشا الذى ظل يحتفظ رئاستها بعد توليه رئاسة الوزراء عام 1914 وان كان قد تخلى عن رئاسة الجامعة فى عام 1916 للامير يوسف كمال غير انه عاد الى رئاستها عام 1917 وظل فى موقعه حتى اندمجت فى الجامعة الحكومية عام 1925
واستطاعت الجامعة الاهلية فيما بين نشاتها حتى تحولها الى جامعة حكومية ان تهيئ المناخ للتعليم الجامعى وتحقق التواصل العلمى والثقافى بينها وبين المدارس العليا فالتحق طلاب المدارس العليا بها الى جانب دراستهم النظرية بمدارسهم وانتدب البارزون من مدرسى مدرسة دار العلوم ومدرسى الازهر للتدريس بها كما استعانت بالكفايات العلمية من خارج المدارس العليا من رجال القانون والقضاء
وساعد على تحقيق هذا التواصل العلمى والثقافى نظام الدراسة الحرة الذى يتيح لمن يريد فرصة الاستماع الى محاضرات فى لون معين من الوان المعرفة فازدحمت قاعات المحاضرات بطلاب جاءوا للاستزادة من المعرفة دون تطلع الى الحصول على درجة علمية كما لعبت مكتبة الجامعة دورا هاما فى تحقيق هذا التواصل
كذلك وضعت الجامعة فى مرحلتها الاولى القواعد الرصينة للمعرفة العقلانية العلمانية فها هو ذا سعد زغلول ينتقد خطبة احمد زكى بك فى افتتاح الجامعة التى بالغ فيها فى الحديث عن مجد الاسلام وعد ذلك لايتفق مع مناسبة افتتاح الجامعة (( لادين لها الا العلم )) ونظرة الى برامج الدراسة فى الجامعة توضح اتجاهها العلمانى وحرصها على غرس قيم العلم والتفكير العلمى بين طلابها وتدريبهم على اصول البحث العلمى ومناهجه على يد اساتذة من المصريين الاجانب
ولايعنى ذلك ان الطابع العلمانى للجامعة لم يلق الانتقاد من جانب العناصر المحافظة فقد حفلت الصحافة المصرية بالمقالات التى هاجمت الجامعة ودعت الى جعل الدراسة (( اسلامية )) وغيرها من المقالات التى شككت فى جدوى هذا اللون من التعليم فى مصر غير ان الجامعة استطاعت ان تبقى نتيجة الحرص على عدم التورط فى صدام مع التيار المحافظ قد يكلفها وجودها ذاته
هذا التواصل العلمى والثقافى الذى حققته الجامعة فى المرحلة الاولى من عمرها وهذا التراكم للخبرات الجامعية جعل من الجامعة المصرية الاهلية حجر الزاوية لاقامة الجامعة الحكومية عام 1925




عودة

جامعة القاهرة - الجامعة في مصر->وقـــــــائـع وحقـــــــــــــــائــق->بعثات الجامعة الأهلية